مسرحية “الزاوش” أو عندما يتحول الكذب إلى آفة

قدم المسرح الوطني محي الدين بشطارزي أمسية يوم الأربعاء مسرحية “الزاوش” من اقتباس وإخراج كمال يعيش، عن نص للكاتب المسرحي المجري فيرنتش كارينتي بعنوان “البوزندورفر”، تسلط الضوء على الكذب عندما يتحول إلى آفة اجتماعية.

عنوان العمل “الزاوش”، والكلمة تعني الطائر المحب لإفساد الثمار، في هذا المضمون تدور أحداث المسرحية التي تتخذ من الفساد والخيانة سمة رئيسية لها وفكرة محورية يدور حولها العمل ضمن قالب أراده المخرج أن يكون فلسفيا محملا بالرسائل التي تناقش قضية الكذب والخيانة والعلاقات الزائفة بين البشر وبين ما يحمله القوي للضعيف، لتصل بنا المسرحية لتأكيد مدى تجردنا من مشاعرنا الإنسانية.

المسرحية تخاطب الإنسان في كل مكان وزمان، وتستند على قضية إنسانية نعيشها بشكل يومي، في قالب بسيكودرامي، حيث تجسد طيلة 80 دقيقة من الزمن قصة فنان شاب يدعى “الزاوش” الدور الذي جسده الممثل ابراهيم شرقي، يعيش حالة من الاستياء بعد رحيل زوجته، وإحالته على التقاعد، فبدأ يصارع وحدته مع شخصيات لا زالت تسكنه، كما تجسد قصة امرأة عجوز تعيش وحدها في ظروف مزرية بعد وفاة ابنها الوحيد وزوجها، ما يجعلها تفكر ببيع أغلى ما تملك وهو “البيانو” الحامل لحياتها وذكرياتها. 

تنطلق أحدث المسرحية حينما يجد هذا الممثل المتقاعد إشهارا لبيع آلة بيانو من علامة “بوزندورفر” نشرته تلك السيدة العجوز على صفحات إحدى الجرائد المحلية، وعليه قرر هذا الفنان الاتصال بالسيدة هاتفيا لعدة مرات إذ كان يقلد في كل مرة صوت شخص جديد يرغب في شراء الآلة مستغلا مهاراته في التقليد، فكان يكذب عليها ويقدم لها وعودا من صنع الخيال.

العمل يحاول أن يحيلنا أن نغوص في أعماق شخصية الشاب المخادع بسبب ما اقترفه من جرم في حق المرأة الطاعنة في السن، وفي ذلك إسقاط مباشر على حال واقعنا الاجتماعي في وقتنا الراهن.

سعى مخرج العرض في اشتغاله على النص إلى تجريده من مكانه وزمانه، وشكل فضاءه المسرحي من بيانو يتوسط الخشبة ومجموعة صناديق وضعها لتتوافق مع الحالة الدرامية للشخصية والمواقف الإنسانية المراد تجسيدها في العرض المسرحي، فرغم بساطة الديكور إلا أنه نجح بمساعدة لعبة الإضاءة التي صممها مختار موفق في الإيحاء بأجواء الجحيم الذي مرت به العجوز أمام مكر الشاب، ويبرز حياة ما ورائية حين يتعذب فيها الخاطئون ويعبرون عن ندمهم الشديد لارتكاب جرمهم، وهي حالة الفنان في العرض حيث يعترف في الأخير بخطيئته ويطرح على نفسه الكثير من الأسئلة حول أسباب اقترافه لهذا الجرم الذي كان بإمكانه أن يودي بحياة إنسانة لا حول لها ولا قوة، ألزمتها الظروف للابتعاد والبحث عن حياة أفضل.

وعند التمثيل لا بد أن نشيد بممثلين آمنا بتجربتهما واستطاعا أن يتعايشا مع الشخصيات التي قدماها بلحظاتها القاسية ونخص بالذكر الممثلة رانيا سروتي التي تعود إلى عشقها بعد سنوات غياب، حيث حاولت من خلال هذه التجربة أن تصنع ذاتها بحلولها للشخصية التي تقدمها، وأثبتت أنها تمتلك طاقة وإمكانات فنية مهمة، والمستوى ذاته لمسناه عند الممثل ابراهيم شرقي الذي تحرك بالكثير من اللياقة، خاصة وأنه قدم عدة شخصيات بصوته، وفي كل مرة كان يثبت قدرته على تطويع حركاته التعبيرية المقرونة بالأداء الجسدي والفعلي للشخصية.

“الزاوش” عمل سيكودرامي، وإن كانت تعالج ظاهرة الكذب الذي أضحى آفة اجتماعية، إلا أنها تلخص حالة وطن كان بإمكانه أن يكون أرحم على أبنائه مثلما قال المخرج كمال يعيش في كلمته.

للتذكير، ستعاد برمجة المسرحية التي أنجزها المسرح الوطني اليوم الخميس على الساعة السادسة مساء، كما سيتم إعادتها يوم السبت 7 من الشهر الجاري على الساعة الرابعة مساء.

 

شاهد أيضاً

تَهنئة السّيدة وَزيرة الثّقافة والفُنُون الدكتُورة “صُورية مُولوجي” بمنَاسَبة اليوم العالمي للمسرح المصادف ل 27 مارس 2024،.

تَهنئة السّيدة وَزيرة الثّقافة والفُنُون الدكتُورة “صُورية مُولوجي” بمنَاسَبة اليوم العالمي للمسرح المصادف ل 27 …