في اطار الدورة الــ 12 للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، نظمت محافظة المهرجان ورشة خاصة بالنقد المسرحي احتضنتها قاعة الحاج عمر بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، خلال الفترة الممتدة ما بين 24 و28 ديسمبر 2017 ، ,أشرفت عليها الأستاذة الجامعية جميلة زقاي وأطرها كل من الأستاذ يوسف بحري من تونس والناقد المغربي فهد الكغاط ومن الجزائر الأستاذ عدلان بن جيلالي. وشارك في هذه الدورة نخبة من مهنيي المسرح، الصحفيون، وطلبة المعهد العالي لمهن فنون العرض ببرج الكيفان.
هذه الورشة التكوينية التي جاء تنظيمها باقتراح من مدير المسرح الوطني محمد يحياوي، تعد حسب السيدة جميلة زقاي مديرة الدورة استجابة لنداء كان يتسم بالأسف على ما آلت اليه الساحة المسرحية في ظل غياب النقد وهو ما تراه استمرارا وامتدادا للسياسة التي تبنتها وزارة الثقافة في إعادة الأمور لنصابها، في إتجاه تكوين الصحفيين في مجال النقد وتأطيرهم حتى يتمكنوا من تحرير صفحاتهم وأعمدتهم الثقافية وفق أسس وآليات المناهج النقدية الحديثة أو غيرها من المناهج.
وتضمّن برنامج الدورة التكونية العديد من الفقرات والجلسات التي نشطها مؤطروا الورشة، حيث خاض الأكاديمي عدلان بن جيلالي، في “الذاكرة العاطفية” التي تساعد الممثل على إيجاد منفذ يسهم في التنقيب وتقمّص الشخصية، ووسمها المتحدث بـ “ذاكرة الإنسان داخل الممثل”، كما فصّل أيضا في “لو السحرية” التي تشبه الرافعة التي ترفع الممثل من أدنى مستويات التقمص إلى أعلاه.
وتناول بن جيلالي الوعي السياقي للشخصية، والذي يعني المعرفة التامة للممثل بالشخصية التي يتقمصها، وذلك يقتضي دراسات نفسية، فكرية، تاريخية واجتماعية. كما ركّز المتدخل في توجيهاته للمتربصين، على أهمية الخيال الايجابي ومنحه “توظيفا ديناميا” من لدن الممثل، عكس الخيال السلبي الذي يوظف بطريقة مطلقة، بالإضافة إلى القوالب التي تعدّ من العلامات الجاهزة كالحزن والفرح.
أما الناقد التونسي يوسف البحري، فاشتغل على كيفية مشاهدة العروض المسرحية وأنماط كتابة المقالات النقدية، موضحا أدوات المشاهدة المحمولة منها والفكرية، إلى جانب أنواع الحوارات الركحية من المونولوغ إلى المونودرام وتوابعهما.
كما شكل موضوع التأثيث السينوغرافي للعروض، عبر بسط تفاصيل أربعة فضاءات بما تنطوي عليه من تحديدات أحد محطات الورشة، كما كانت الفرصة مواتية للاقتراب نقديا من مسرحيتي” ليلة غضب الآلهة” و”الأمير الصامد”.
وهنا استعرضت الأستاذة جميلة مصطفى الزقاي أشكال الفضاءات السينوغرافية بالتفصيل، حيث أبرزت شكل الخشبة الإيطالية، الفضاء الدائري الذي يشبه شكل السيرك، الفضاء المفتوح الذي يشمل كل من مسرحي الزنقة والشارع، فضلا عن المدرج النصف دائري، الذي يقترب جدا من الخشبة اليونانية الكلاسيكية، ويُتيح إمكانية اللعب وسط الجمهور.
وكانت هذه الجلسة فرصة لاقتراب المتربصين من بعض المشاهد المسرحية الجزائرية والغربية لمناقشتها وتحليلها، في هذا الشأن، حلّل الأكاديمي عدلان بن جيلالي في مداخلته مسرحية “ليلة غضب الآلهة” للمخرج جمال مرير من إنتاج مسرح باتنة الجهوي (2014)، تناول فيها أداء الممثلين وعلاقتهم مع بعضهم البعض، كما تطرق إلى علاقة الممثل مع الإضاءة، وعلاقة الممثل بالحوار، وغيرها من ارتسامات وتشابكات العرض.
من جانبه، قدّم الناقد المغربي فهد الكغاط مسودّة فيلميه لمسرحية “الأمير الصامد” (1965)، للمخرج والمنظّر والمدرب المسرحي البولوني “جيرزي غروتوفسكي”، كما أحال على مقارنات التكوين الأدبي ونظيره المسرحي للكاتب والناقد والباحث الفرنسي “بيار مارك دو بيازي”، الذي ابتكر تصنيف الابداع: مرحلة ما قبل الكتابة، مرحلة الكتابة، مرحلة ما قبل الطباعة وأخيرا مرحلة الطباعة.
وبخصوص الكتابة المشهدية، قسّمها الناقد فهد الكغاط إلى مرحلة ما قبل التدريب، مرحلة التدريب، مرحلة ما قبل العرض، وأخيرا مرحلة ما بعد العرض التي تقترن بتفاعلات التلقي.
وحلّل الكغاط “سيمياء العرض”، بتأكيده على العلامات التي ترتبط بالممثل، السينوغرافيا، الإضاءة، النص وغيرها.
واختتمت الدورة التكوينية في النقد المسرحي بعد أربعة أيام ، بالاشتغال مجددا على نظرية العضوية الفيزيائية (البيو ميكانيك) للروسي “فسيفولود مايرخولد”…كما واصل الأكاديمي عدلان بن جيلالي، معالجته لنظرية مايرخولد الذي تمرّد على مواطنه وأستاذه “قسطنطين ستانيسلافسكي”.
كما جرى اتخاذ عرض “بهيجة” للمخرج زياني شريف عياد، كأنموذج للورشة، حيث قدّم الناقد المسرحي التونسي يوسف بحري تحليلاً تطبيقياً للمسرحية المصوّرة، وقد تفاعل المتربصون مع التحليل بدايةً من المؤثرات البصرية إلى نظيراتها السمعية، وانتهاءً بالدلالات.
واختتم التربص بإجراء امتحان كتابي “إعداد مقالة نقدية صحفية” حول مسرحيات يختارها المتربصون من الأعمال المتنافسة في دورة الثانية عشر للمهرجان.