عرض ( رمادة19) اقتباس عبد الرزاق بوكبة عن رواية ليليات رمادة للكاتب واسيني الأعرج وإخراج شوقي بوزيد . بالمسرح الوطني الجزائري 09/11/2021 على الساعة 18:00
شرع المخرج شوقي بوزيد في البحث عن أساليب ومناهج متعددة في طرح نص رمادة 19 لمجاوزة تيار الواقعية الطبيعية، التي تحد من قدرة المسرح على التحرر والابتكار. وكل ما يعيق حرية الابتكار لدى الممثل . فبمحاولة منه في الحفاظ على مضمون الرواية من جهة والإلتزام بقواعد المسرح من جهة أخرى مازجا في ذلك بين المسرح والسينما حيث :
إستعمل المخرج شوقي بوزيد السينما لغرض ديالكتيكي درامي مقدّما معطيات موضوعية من ناحية، ووضع المتلقي مباشرة في الحدث من ناحية أخرى , وأراد في عرض “رمادة 19” وضع السينما في خدمة الدراما ، معتبرا ذلك محاولة لقطع التسلسل الحدثي في تجارب تالية ، و يجعل منها وسيلة تحريضية تنشئ علاقة عضوية، وكمخرج مسرحي وفنان رأى أن السينما رافدا من روافد المسرح، ووسيلة لخلق مسرح جديد متجذّر ، وهو ما تسمح به السينما عبر نقل صور من الواقع ووثائق منه عبر وضعه في علاقة مع الشخصيات ومصيرها. وإضافة إلى الصبغة التوثيقية والتفسيرية للأحداث سعى المخرج شوقي بوزيد إلى جعل المشاهد تسهم في التعليق على الأحداث، وتخاطب المتلقين وتجذب انتباههم، وتخلق صورة مسرحية جديدة .
كما أنها تحمل رسالة في تأكيد معنى المشهد من جهة أخرى لإحداث التغريب وكسر الإيهام لدى المتلقي، مسرحية «ليليات رمادة»، هي قصة حب بين رمادة الموسيقار شادي تدور أحداثها في مدينة اشتقت اسمها من الاوبئة حيث أن شادي ذهب الى فيينا لإقامة حفل تتخله ورشة الموسيقى في دار الاوبيرا والتي كانت سبب في تعرفه على ميشا أثناء هذه الورشة ( ميشا مظادة البطلة ) ليجد نفسه مصابا برض الكوفيد الذي انتشر سريعا مما جعله يمكث في المشفى ما جعل والد رمادة يزوجها لكريم الذي بدوره زوج اخته للاب مقابل رمادة ومن ثم تتداخل الأحداث والوقائع، وتتضارب فيها المصالح بين كل تلك الشخصيات مما يجعل رمادة وسط دوامة للتخلص من تلك الورطة والمعانات التي والتها مع كريم المريض نفسيا اثر حادثة حصلت له مع أخيه في صغره مما جعله يستغل رمادة لتنفيذ كل رغباته وتحرير رجولته . وهنا تتعرض رمادة لأقوى التجارب التي يمكن أن تحطم مشاعرها وتحد من طموحاته. فالأب الذي يغلف ظاهره بالدين و يستعين به لتلبية كل رغباته وبالمقابل يكبح حرية ابنته عن كل شئ بإسم الدين من جهة وسخط زوجها كريم من جهة وحبها وخوفها على شادي من جهة أخرى فساد جو من الشحوب في حياة رمادة وبشيء من التقزز والنفور وحتى العداوة في حالات أخرى، بل قد تصل إلى الكراهية لمّا يصبح القتل مجانيا من أجل ربح سريع و مضاعف .
مسّت المسرحية عدّة جوانب انسانية واجتماعية وسياسية وطرحتها بأسلوب تراجيدي منسجم , كما أن المسرحية مست جوانب تاريخية وإجتماعية ظهرت جليا فإشارة رمادة لتسمية أبيها لها بنسبه لها لجائحات السابقة التي ضربت البشرية، على مرّ التاريخ، التي تفشَّت -تحديداً- في العالم العربي. كانت هناك جائحة الطاعون التي حلَّت ببلاد الشام في عهد عمر بن الخطاب، وسُمِّيت ب (عام الرمادة ) , وحادثة رقان حيث تم اعتقال المسلمين في صحراء , وهنا نرى محاولة الكاتب في التوغل في قلب قضايا المجتمع ولمس أقرب مآسيه التي مر بها .
الشخصيات وأبعادها
رمادة : شخصية مركبة متزنة وهي الشخصية المركزية في المسرحية . ( جسد الدور أسماء الشيخ )
البعد النفسي : فتاة تعاني من ضغوطات جراء أفعال والدها الذي استبدلها بأخت الرجل الذي زوجها اياه . رغم حبها لشادي
البعد الإجتماعي : طبيبة على حافة الطلاق من زوج عصابيّ , تنتمي لعائلة ارسطقراطية .
البعد الفيزيولوجي : شابة جميلة ذات شعر أشقر متوسطة القامة
الأب : شخصية مركبة وغير متزنة جسّدها أيمن بن صالح
البعد النفسي: متدين متشدد في الضاهر صارم مع زوجته السابقة وأبنته لا يؤمن بالحرية خاصة للمرأة، لكنه يحمل في طيات شخصيته المكر لأنه يحاول المراوغة والعيش برفاهية واتباع رغباته بإستعمال الدين ..
البعد الاجتماعي: رجل غني ينتمي لطبقة ارسطقراطية . شخصية متشددة تسعى جاهدة لحجب المرأة بمبالغة كما جسدها المخرج، علاقته مع زوجته وابنته متشددة جدًا ظهرت جليًا في المعاملة والقواعد التي يفرضها عليها ، حيث يحاول حجب حريتها وكبحها ولكن هو يحاول المراوغة كما يشاء.
البعد الفيزيولوجي: متوسط القامة منحني الظهر يرتدي ……
شادي : شخصية مركبة متزنة
البعد النفسي : شاب هادئ ووفي لحبه لرمادة حيث كان يستلهم كل موسيقاه من حبه لها وكان يحلم بها ويتابع كل رسائلها اليه اثناء سفره .حيث يفاجأ شادي وهو في فيينَّا، بإصابته بفيروس كورونا مما جعله يبقى مدة طويلة في المستشفى .
البعد الإجتماعي : شاب مهووس بالموسيقى والنغمات حيث يعمل مايسترو اوركسترا
البعد الفيزيولوجي : شاب متوسط القامة له شعر حتى الرقبة .يرتدي ( …)
كريم : ( جسد الدور محمد الخليل جباري )
شخصية مركبة غير متزنة
البعد النفسي : شاب له ماضي يتبعه اثر انتهاك أخيه لرجولته مما جعله يبحث عن أنثى ليحرر فيها رجولته
البعد الإجتماعي : محاسب لتجارة أب رمادة
البعد الفيزيولوجي : متوسط القامة له بنية رياضية
ميشا : شخصية مركبة غير متزنة ( أدى الدور رويبحي فيسة منيرة )
البعد النفسي : فتاة تحلم بقلب شادي لم رأته فيه من شخصية جذابة رغم حبه لرمادة بقيت معه وضلت تلازم فراشة وتقرأ عليه كل رسائل رمادة .
البعد الإجتماعي : فتاة تحب الموسيقى وهي متدربة في ورشة شادي التي اقيمة في دار الاوبيرا .
البعد الفيزيولوجي : متدربة في ورشة شادي ومرافقة له في سرير المرض أثناء مكوثه في المستشفى .
الكاتب : واسيني الأعرج . شخصية مركبة متزنة ( جسد الدور وائل بوزيده )
البعد النفسي : مهووس بالكتابة ورسم الشخصيات حيث يصارعها في محاولة منه لتخليص رمادة من وحلها فيصارع كل الشخصيات التي تتمرد عليه في النهاية .
البعد الإجتماعي : كاتب له العديد من المؤلفات حيث يسعى لإنهاء العمل الأدبي الأوَّل المستوحى من أزمة الجائحة، حيث تنتمي إلى ما يُعرف بـأدب الأزمات فكتب هذه الرواية في ظرفٍ خاصّ، حيث راودته الفكرة وهوفي حالة حَجْر؛ مثله مثل ملايين من البشر المحاصرين في ظلّ الموجة الأولى من الجائحة.
البعد الفيزيولوجي : ( حاول المخرج هنا تجسيد شخصية واسيني بكل ابعادها الفيزيولوجيا لإعطاء العمل صيغة خاصة وكمودة للكاتب الذي اقتبس من روايته هذا العمل المسرحي .
وضف المخرج شوقي بوزيد عدت تقنيات ومناهج لإثراء العرض المسرحي رمادة 19:
استعمل المخرج شوقي بوزيد تقنيات البيوميكانيك بهدف إثراء الإمكانات التعبيريّة والجماليّة للميزانسين المسرحيّة وكذلك لبلورة جوهر أفكار النص وأفعال الشخصيّة الدراميّة.
إن التصور البيوميكانيكي الذي وضفه المخرج يضعنا أمام مقاربة المنهج الذي نظره فسيفولد مايرهولدفالهدف الوحيد منه، هو تحقيق المسرح الشرطي، الذي تطرق له في عام 1905 في استوديو المسرح، ، وقدرته على نقل ابداعه الخاص من خلال جسده (التحكم به بوعي) وحركاته. انه يعبر عن ابداع الممثل من خلال الحركات، و«العاطفة»، التي تجمع بين الومضة واللون والقوة التي تقوم بعدوى المتفرج. ، هذه التقنية التي استعملها المخرج شوقي بوزيد في اللوحتين الثالقة والثامنة و التي جعلت الممثل آلة «أداة ميكانيكية» مثالية من اجل الاستفادة الكاملة من المواد التي تقدم الى الجمهور، وهذه المادة هي جسده: من الجذع، الأطراف، الرأس، الصوت. وهنا يجب ان لم يعتمدوا الممثلين على التشريح، وإنما على قدرات جسدهم في الأداء ، كمعدات للعب المسرحي.
بصفة عامة وضفت هذه التقنية كوصفة إجرائية وطريقة تطبيقية اعتمد عليها المخرج شوقي بوزيد لإنجاز مجموعة من الأداءات التشخيصية على ضوء شعرية الجسد .
قامت اللوحة الثامنة للعرض المسرحي رمادة19 على مقومين أساسين، وهما: العضوية والحركية. فالعضوية ضهرت في الحيوية والجاهزية في ردود الأفعال الشرطية والانعكاسية. أما الحركية الفيزيائية والميكانيكية في هذا الصدد، فتنصب على حركات الجسد الديناميكية من رأس وعين ويد وجذع وقدم… اعتمادا على المؤثرات الصوتية في البداية ، وقاعدة الفصل والوصل، وقاعدة السكون والحركة، وقاعدة الاتساق والانسجام، ، وقاعدة التحرك المتنوع، وقاعدة الاستجابة البلاستيكية، وقاعدة التحفيز الشرطي، وقاعدة الاعتدال والتوازن، وقاعدة الحيوية، وقاعدة ديناميكية الجسم….
كما أنه استلهم من تجربة الكاتب و المخرج الألماني بريخت كسر الجدار الرابع في المسرح ، و هو كسر حالة الإيهام التي تستحوذ على عقل المتفرج ليخرجه من هذه الحالة إلى حالة المشاركة في الفعل الدرامي سواء كانت مشاركة فعلية – أي بالتدخل في الحدث نفسه – أو فكرية عن طريق استثارة تفكيره في الحدث الذي يقوم الممثلين بتمثيله على خشبة المسرح ، و عملية كسر في مسرحية رمادة جاءت في ايطار ما يسمى “المسرح التحريضي”، فهو لم يكتفي فقط أن يكون المشاهد جالس بشكل سلبي بل أن يكون مشاركا أو جزء من الحدث نفسه .
.
السينوغرافيا
لرياض سقني
كان استخدام سينوغرافيا وظيفيًا في كامل مشاهد العرض، ويتماشى مع تساوق الأحداث ويخدم المشاهد على حسب الغرض في كل لوحة من اللوحات التسعة .
استعمل المخرج ديكور ثابت وضيفي حيث قسم المخرج الخشبة لفضائين ( داخلي وخارجي ) الفضاء الداخلي الذي تجري فيه الأحداث وتتحرك فيها الشخوص وتتصارع دون الخروج منه , وهذا الفضاء محدد بدائرة ضيقة وسلمين بشكل متناظر , حيث أراد أن ينقل ذلك الضيق الذي تعيش فيه رمادة والضغط الداخلي والخارجي الذي تتعرض له يوميا , اما الفضاء الخارجي الذي كانت التأشيرة في التنقل فيه لشخصية الكاتب فقط حيث كان يسرد شخوص الرواية أحيانا ويوجه تلك الشخصيات التي تدور في عقله أحيانا .
الاضاءة
تعتبر الإضاءة عنصراً مكملأ لفنيات العرض المسرحى، ويغتنى العرض بوجودها الفاعل، ويؤثر على نجاح المشهد، ويضفى جاذبية خاصة على الصورة المسرحية التي يراها المتفرج، ولا تكتسب الإضاءة أهميتها من تعدد مصادرها ومفاتيحها أو من تطور تقنياتها بل من التعامل الواعي والمدروس مع كل مفتاح حتى لو اكتفى العرض كاملأ بثلاث نقلات أو أكثر أوأقل
كانت علاقة الإضاءة بالأزياء و«بالديكور» في مسرحية ( رمادة 19 ) علاقة تكامل حيث الألوان تظهر مختلف كتل «الديكور» وتغيرت حدة وألوان الإضاء حسب توزيع الشخصيات والأحداث في المسرحية , وتم استخدام الديكور في توجيه الإضاءة كنوع من الخيارات الفنية التي تخدم سياق العمل ( تاستخدام المرأة في انعكاس الإضاءة )..
كما كانت علاقة الإضاءة بحركة الممثلين تأدي وضيفة جمالية ودلالية على خشبة المسرح، وكذلك بتقلب حالات أدائهم من اللوحة الأولى الى التاسعة
وعلى هذا فإن الإضاءة في عرض رمادة 19 كانت لغة بصرية تهدف إلى تكوين جو يعيش فيه الممثلون والمشاهدون حالة مسرحية ذات معنى، وتتحقق ذلك من خلال عدد من الوظائف من أهمها ما يأتي
1- الرؤية البصرية
وهي أبسط وظائف الإضاءة التي يمكن من خلالها إبراز أجساد الممثلين وتعبيرات وجوههم وحركتهم على خشبة المسرح
2- خلق الجوالدرامي
الإضاءة أول عنصر يُمكِّن المشاهد من رؤية خشبة المسرح، وبالتالي هي أول عنصر بصري يعطي إيحاء ببداية المشهد كما أنه يوحي لللمشاهدببعث القلق أوالخوف أو الاضطراب أو الفرح أو الحزن، وكان ذلك من خلال الألوان وطريقة توزيعها واماكن استخدامها تناسقا مع الحركة و المؤثرات الصوتية.
3- التأكيد والتركيز
بما أنّ العرض المسرحي أداء حي يحتوي على العديد من التفاصيل والجزئيات ، فقد إنتقى مُخرجه ( شوقي بوزيد ) مساحة محدودة منها لتدور فيها أحداث أغلب المشاهد، كما أنه قسم الخشبة إلى عدت أقسامو في كل قسم حدث وحركات وحوارات ما في حين أنه يلغي الأقسام الأخرى، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر إضاءة مكان الحدث وإعتام غيره
4- التكوين الفني
أبرزت الإضاءة في هذا الجانب جماليات من خلال استخدامها اللون وتدرجاته والبقع الضوئية ( بقع دائرية / مربعات ضوئية ومستطيلات …) وتفاعلها مع جميع عناصر الديكور والأزياء والممثلين. .
5- الدلالة على المكان والزمان
أوحت الإضاءة في مسرحية رمادة 19 بزمن الأحداث على خشبة المسرح (ليل ـ نهار ـ شتاء ـ صيف…)
الأكسسوار
من خلال التفاعل في العمل المسرحي ما بين المخرج والممثل والمصمم نستطيع أن نرصد تلك القطع الأكسسوارية المستعملة في العرض المسرحي رمادة 19
العصى الخاصة بالأب ( والتي كانت لها خدمة وضيفية في عدت مواقف في مختلف اللوحاة حيث يستعملها لإرتكاز من جهة وللتعنيف من جهة أخرى كما لها ايحاء خاص بارتباطها بكبار السن في المجتمع )
السبحة ( لها ارتباط وطيد بالرجل المتدين حيث كان لها بعد عقائدي اجتماعي معين , ويستخدمها الأب هنا كوسيلة لإيهام ابنته والمجتمع بأنه رجل متدين وصالح على عكس ما هو )
النقود ( المستعملة في اللوحة الأولى و الثالثة كدلالة على البعد الإجتماعي للأب و كانت وضيفتها إغراء ابنته بالمال لحجب كل أفعاله عنها وتجنب النقاش في ما تجاوزها فيها .
قارورة الخمر ( المستعملة من طرف كريم في اللوحة الخامسة والسابعة والثامنة والتاسعة )
القبعة
الكمامات : والتي أوحت بالفترة التي يمر بها العالم جراء تفشي وباء كورونا وسط المجتمع مما جعل الاحبة في حالة نفر حتى وهم داخل البيت . كما استعمل المخرج الكمامات كوسيلة للتظليل واللعب على الإخفاء وإظهار الشخصيات من مكان لآخر عن طريق الإضاءة .
المناديل ( الأحمر الخاص برمادة والتي كان له دلالة رمزية التي توحي للمتلقي بعلاقته مع كريم وكيف كان يعنفها بربطها وافتراسها , كما وضف المخرج هذا المنديل حيث أن رمادة برميها له في اللوحة السابعة أوحت بان هذه الانثى قد تحررت من قيد هذا الرجل الذي كبلها طويلا بتصرفاته القمعية )
الكتب ( اتعملت الكتب هنا كوضيفة ايهام من جهة ووضيفة رمزية لكاتب الرواية من جهة أخرى فكانت تعمل بتناسق مع الإضاءة التي كانت تسلط عليها وتعتم الاماكن الاخرى في خشبة المسرح ) .
المجلد ( الذي يستعمله الكاتب في اكمال روايته ورسم الشخصيات ومتابعة الأحداث ) .
المظلة ( كانت لها عدت دلالة من بينها الدلالة المرجحة على الجو ( مطر) كما انها خدمت المخرج في ابراز الكاتب من مكان لآخر عبر الإضاءة التي خدمت عناصر الصورة المسرحية من جانب الإضهار والإخفاء)
كل هذه الأكسسوارات في مسرحية ( رمادة 19 ) تقوم بأداء دوراً مركزياً من خلال اعتبارها حلقة الوصل ما بينهما فتلك القطع تقوم على ربط الميزانيسن في المسرح كلغة إخراجية بسينوغرافيا العرض كلغة تصميم عن طريق الممثل وفعله واستخدامه لتلك العناصر (واقعياً كان أم رمزياً) فالعصا يمكن استخدامها كمنظر ويمكن أن تعبر عن طريق تحديد حركة الممثل في أداء دوراً اساسياً في تحديد الميزانيس على المسرح، وهنا نستطيع أن نرصد ذلك في حركة الأب ويمكننا أن نشير إلى أن لكل قطعة أكسسوارية دلالة خاصة بها وكان المخرج والممثل والمصمم معاً في رؤية أعطت القيمة الدلالية المناسبة لتلك القطعة الأكسسوارية حتى تتكامل جمالياً مع القيم الدلالية للعرض المسرحي وبالتوازن مع باقي العناصر في العرض المسرحي بضمنها الممثل.
وفي هذا العرض يتوفر التوازن والذي يتحقق بالمنظور الجمالي والدلالي للفضاء المسرحي الداخلي والخارجي (الذي تؤدي فيه القطع الأكسسوارية دوراً مهماً وفعالاً) من خلال توزيع القطع المنظرية وقطع الأزياء والقطع الخاصة بمجاميع الممثلين على خشبة المسرح حيث يبدو العمل منطقياً ومتجانساً، وعمل المخرج شوقي بوزيد على التنويع في الاستخدام القابل للتأويل عند المتلقي.
الملابس
الزي عنصراً ملازماً للعرض المسرحي لما يحتويه من قيم جمالية وفنية في تشكيل الصورة المرئية
كانت العلاقة بين الثياب والشخصية في هذا العرض علاقة عميقة، حيث كان لها دور كبير في التعبير عن الممثلين
و لعبت دوراً كبيراً ومهماً في العرض المسرحي وهو مساعدة المشاهدين على الفهم والإدراك في التعبير عن الخصائص المميزة للشخصيات ، كما لا يخفى بأن الملابس تساعد في التعرف على الفترة الزمنية والمكان الذي حدثت فيه كل الأحداث و تحديد الوقت من اليوم وتحديد الفصل ( الشتاء في هذا العرض ) كما أنها قدمت العديد من المعلومات عن الشخصية بارتباطها بالألوان مثل العمر والمهنة والسمات الشخصية والمكانتين الاجتماعية والاقتصادية، كما مكنت من توضيح العلاقة بين الاشخاص والتعرف على الفئات المتحاربة والمتضادة في العرض المسرحي عبرت عن الجو العام للمسرحية واسلوبها والجو العاطفي السائد في كل لوحة من اللوحات التسعة , وارتبط هذا الزي بأهميته وبمهمته باللون
الألوان ودلالتها
فالتركيب الصوري للعنصر المسرحي من حيث الشكل والمضمون تشكل صورة جمالية للزي في العملية التواصلية, فتعطي دلالة بصرية وفكرية تكتمل شخصية الممثل, حيث ان الزي في مسرحية رمادة 19 كان وسيلة من وسائل العرض والتواصل, تحقق هدفها الجمالي عن طريق الشكل واللون باعتبار اللون للفن المسرحي هو مجموعة من العلاقات التي تملك رموزاً ومضامين, فالتعبير عن الأفكار الكامنة في الشخصية ترتبط باللون الزي ارتباطاً وثيقاً لكونه يخلق التشويق والاثارة النفسية فضلاً عن كونه عنصر لجذب الذائقة الجمالية عند المتلقي
فإستعمل المخرج شوقي بوزيد بالتنسيق مع مساعده والسينوغراف الألوان الأساسيه التى تدركها العين
وهى الأصفر والأحمر والأزرق
ونلاحظ يأن اللون الأصفر هو اللون كثير الحركة كما ظهر لنا في اللوحات ويعود ذلك لإشراقه فى أقل مساحه
كما أثرت باقي الألوان حتى فى الديكور وفى ألوان الما كياج كذلكترجمة الحاله النفسيه للشخصيات والمواقف عن طريق الإضاءه وبشكل لحظى ولكل لون في اللباس دلالته ونذكر منها مايلي :
*الأسود
ارتبط هذا اللون في عرض (رمادة 19) بالخوف والحزن والظلام احيانا والمكر والخبث والشرف والجريمة واليأسأحيانا أخرى كما تم توضيفه في اللباس والأكسسوار ( مظلة) والديكور ( الدرج والدائرة والكراسي ) .
*الأحمر
أستعمل في لباس كريم وقارورة الخمر ومنديل رمادة
وهو من الألوان الساخنة لذا فهو لون مثير له خواصه العدوانية ارتبط بشخصية كريم كدلالة على العنف والاستفزاز والإثارة، كما عبر أيضا عن الحقد من جهة والحب من جهة أخرى وهنا نرى قاعدة التظاد في التوضيف , استخدمه المخرج شوقي بوزيد فى لوحاته على كريم اتجاه رمادة بالحب والسيطرة وبالغضب والبغضاء والقتل اتجاه شادي والأب حيث احتاجت اللوحات (الخامسة والتاسعة إلى القسوة و الصرامة.
*الأصفر
(استعمل في لباس الأب + العصى التي يرتكز عليها )
الأصفر هنا هو أكثر الألوان أستضاءة ونورانية فهو لون الشمس والحرارة فقاعدة التوضيف الثنائي المتظاد في الرسالة كانت واضحة في لباس الأب الذي يريد أن يبقى شابا رغم تقدمه في السن وصراعه بالمرض فهو يهتم برؤية ابنته ومجتمعه نحوه ومن جهة اخرى عبر عن الجبن والإنحطاط والضعف والغيرة والغش والخداع.
*الأزرق
استعمل في لباس شادي
إن اللون الأزرق من ألوان المجموعة الباردة وارتبط هنا بشخصية شادي كدلالة على الهدوء والصفاء، حيث ارتبط هذا اللون في الوجود بالسماء والماء فى الطبيعة فهو لون مناسب للهدوء وبرودة الليل والأزرق كما توحي بشخصية شادي بالخفة والخيال؛ فهو يعبر عن الحساسية والحيوية، وعن تأثيره النفسى فهو يوحى بالحقيقة والصدق وكل هذه الصفاة ظهرت جليا في هذه الشخصية من خلال الأفعال والحوارات .
الموسيقى والمؤثرات الصوتية:
بحسب رأي “محسن النصار”، فإنّ الموسيقى تعد واحدة من أهم اللغات الفنية المجردة، فإذا كانت الكلمات والجمل المنطوقة والمكتوبة لها دلالات واضحة يدركها ويفهمها الإنسان ويستوعبها العقل بشكل مباشر ويعي ما تعنيه، فإنّ الجمل الموسيقية هي لغة الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، لذا أطلق على الموسيقى توصيف “غذاء الروح”، وذلك لأنّ تلك اللغة المجردة تخاطب المشاعر والوجدان الذي يغذي الروح.
وفي رمادة 19 ساعدة الموسيقى على إيصال الأفكار إلى المتفرجين بمساعدة اللغة التعبيرية ، وما تنتجهُ هذه العملية من تأثيرات حسية ونفسية في إضفاء الجو الروحي العام للعرض المسرحي، وهما معاً “الموسيقى واللغة التعبيرية للجسد” يحددان إيقاع المشهد الذي يضبط إيقاع المسرحية ككل.
تجلى دور موسيقى مسرحية رمادة 19 “مساعدة المخرج في دعم الصور الإيقاعية للعرض، خاصةً بربطها مع الشخصيات حيث وقع المخرج اتفاق مع المشاهد منذ البداية بموسيقى تصاحب الأحداث والشخصيات و الحوار اللفظي كما رافقت تقنية ( stop cader)
فأعطت فيما بعد القدرة على المحاكاة الحقيقية أو الصدى الحقيقي للموسيقى الداخلية للعرض المسرحي، وخلقت الجو الذي يعتنق ذلك النضوج الداخلي كفكر
موسيقى “فيصل السنوسي ” تقاطعت مع أداء الممثلات وأفعالهن التي تنوعت في الحركات والإيماءات فكانت مسؤوليته كبيرة في ايجاد خط الوصل بين موسيقى المسرح والسينما ، فرافقت أغلب اللوحات وكانت منسجمة ومتسقة بداية من المشهد حتى المشهد التاسع . .
كل تلك الأصوات كان لها دورًا فعالاً في توصيل الأحاسيس وترجمة المواقف سمعيًا … وحتى ذلك الصمت الذي كان يستخدم بين الأصوات يعتبر لغة
خاتمة
إن مَسْرحة الرواية فنٌ وليد ربما اقتضته بعض الظروف المتعلقة بالحاجة إلى الاستفادة من نجاح الرواية المُمَسْرح فأصبحت الرواية ا مصدرا من مصادر كتابة النصوص المسرحية التي ترسى على ركح المسرح . وخاصة تلك الرواية التي تغىري المقتبس مما تحويه من جوانب التشويق والحبكة والصراع والإثارة و يرى فيها انها ترقى لأن تكون نصا مسرحيا . ومن جهة أخرى للنص المسرحي خصوصياته مقارنة بالرواية التي تعتمد في طياتها على السرد أما المسرح فيعتمد في مضمونه على الحركة . وهنا تختلف طبيعة المعالجة اختلاف تام . فالروائي له مجال واسع ومفتوح في رسم الاماكن والتنقل بالقارئ عبر خياله . أما العمل المسرحي له قيوده الخاصة حيث يعتمد على إيصال المعلومة للمتلقي من خلال الصورة المسرحية والحوارات والحركة ….
وتأتي الخطوة النهائية وهي بمثابة تحدي في يد المخرج الذي الذي يصوغ ذلك النص ويغلفه برؤية اخراجية وينقل للمتلقي صورة مسرحية مستعينا بذلك على أدوات المسرح المختلفة ( ممثلين / سينوغرافيا ….الخ) .
وتبقى الجودة والفكرة التي يقدمها العمل المسرحي وشدة تأثيرها على المتلقي لها دور مهم في خطوة مسرحة الرواية … كذلك يبقى العمل الثاني ضيفا على الأول، ولا يمكن استبعاد فكرة المقارنة أو التبعية للأصل
بقلم : أنور اسم الله