تتواصل أشغال ندوة “همزة وصل..نقد التجربة حول المسرح الجزائري” بصرح بشطارزي الثقافي في قلب العاصمة الجزائرية، لليوم الثاني على التوالي.
تنبض قاعة مصطفى كاتب في المسرح الوطني الجزائري، حياة ونشاطا، بعد أشهر من الغلق اقتضتها التدابير الصحية لمواجهة الجائحة التي عصفت بالعالم مؤخرا، وينبع ذلك من الحركية التي خلقتها الجلسات العلمية والنقاشات الفنية حول أبي الفنون في تجربته الجزائرية، والتي تناولت كلها تجارب الإخراج والتكوين في المسرح الجزائري.
استهل أهل الفن الرابع من أكاديميين، ممارسين، ومهتمين بالشأن المسرحي، أشغال اليوم الثاني من عمر هذا الوصل الفني، بجلسة “مقاربات الإخراج المسرحي في الجزائر” التي ترأستها د. خديجة بومسلوك في إطار ثالث محاور الندوة المعنون بـ “تجارب الإخراج المسرحي في الجزائر”، حيث اعتلى المنصة أولا د.حبيب بوخليفة، مفصلا في حيثيات “الكتابة الركحية في تجربة الإخراج المسرحي الجزائري”، مقدما مقاربة منهجية علمية عن تجربة الإخراج في الجزائر، معلنا عن وجود أزمة خانقة فيما يخص المصطلح لأن المصطلحات أنتجها الغرب –حسب وصفه- مؤكدا أننا في الجزائر امتلكنا “أشكالا بدائية طقوسية، ولكننا لم نجرب الثلاثي الأرسطي، وقد اكتشفناه بمفهومه الأرسطي من خلال تواجد الاستعمار في بلادنا، فمسرحنا جاء من الغرب “.
أما “التجارب الإخراجية في المسرح بالجزائر .. مقاربة تطبيقية للاتجاهات العالمية والأساليب المحلية”، فكان عنوان المداخلة التي قدمها د.لخضر منصوري، وركز خلالها على تجربة المخرج “عز الدين عبار” في المسرح، مؤكدا أن مسرحية “نون” هي أهم تجربة دراماتورجية عرضها هذا المبدع على الركح، كما قدم ورقة وافية لكل العروض التي أخرجها عبار، والتحولات الإخراجية التي برزت من خلال أعماله.
ومن جانبه، تطرق، د. حبيب سوالمي من جامعة تلمسان، ثالث المتدخلين خلال الجلسة العلمية الأولى من المحور الثالث، إلى “المدارس الإخراجية في المسرح الجزائري بين التقابل والتداخل…مقاربة نقدية في نماذج مسرحية”، حيث ذكر معظم المدارس الإخراجية بمميزاتها وتوجهاتها، مؤكدا أن كل مدرسة ظهرت وضعت إضافة لسابقتها، مبرزا الفرق بين فن الأداء والتقمص، كما استعرض سوالمي، النماذج والاتجاهات الإخراجية في أبي الفنون محددا أوجه التداخل والتقابل بين هذه المدارس.
وطرح حبيب سوالمي إشكالية جوهرية في مداخلته متسائلا “هل يعي المخرجون الجزائريون أوجه التداخل والتقابل بين تلك الاتجاهات؟” وللإجابة عن هذا السؤال اختار ثلاثة عروض، “سيفاكس” للمخرج عيسى مولفرعة، “قلعة الكرامة” للمخرج لخضر منصوري، و”افتراض ما حدث فعلا” للمخرج لطفي بن سبع.
وبرئاسة السينوغراف حمزة جاب الله، تم عقد الجلسة الثانية “اتجاهات الإخراج والسينوغرافيا في المسرح الجزائري”، التي سجلت مداخلة عبد الكريم غريبي، حول “أشكال وآليات الإخراج المسرحي في الجزائر”، والتي صنفها المتدخل ولخصها في، منطق هرمي يعتمد على العرض والتفسير تم اعتماده بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، الإجراء السيميولوجي المغلق، طريقة المشاركة الإخراجية التي يتم فيها توظيف قواعد إخراجية جديدة ومختلفة، تخرج عن نطاق المسلمات التي سادت بين ثمانينات ونهاية تسعينيات القرن الماضي، والمرحلة الحالية التي يحاول المخرج خلالها تجاوز النسبية وهي مرحلة ما بعد الإيديولوجي والتاريخي والكلامي، وقد أكد غريبي أنه وفي أيامنا هذه حيث يوجد التهجين ويصعب التفريق بين المراحل المذكورة، يجتاحنا شعور بفقدان المسرح لهويته، كما صنف المتدخل، المخرجين الناشطين في مجال الفن الرابع، إلى فئة ذات تكوين محترف، وأخرى تبحث عن مبررات نظرية، وثالثة لا تملك أي تكوين مسرحي.
ومن جانبها ارتأت د. ليلى بن عائشة، إضاءة “الأنساق الثقافية في السينوغرافيا الجزائرية.. مقاربة ثقافية لنماذج من أعمال عبد الرحمن زعبوبي، حمزة جاب الله، ومراد بوشهير”، وركزت خلال مداخلتها إلى جانب من سبق ذكر أسمائهم في العنوان، على تجربة ليليان الهاشمي، الجزائرية ذات الأصول الألمانية التي تعتبر أول امرأة صممت سينوغرافيا المسرحيات في الجزائر، والتي ذكرت من أعمالها الخالدة “العاقر” (سنة 1973) إخراج نور الدين الهاشمي، “الطمع يفسد الطبع” (سنة 1975)، و”عجاجبية وعجايب” (سنة 1986).
وركز أ.رابح هوادف في ورقته على السينوغراف الجزائري حبال بوخاري، مفصلا في “تمايزات تصميم الملابس في تجربته”، وفي هذا السياق قال هوادف أن تجربة هبال (تلميذ ليليان الهاشمي) هامة جدا، إذ يرى أن تصميم الملابس جزء هام في خلق العرض المسرحي، مشيرا إلى مساهمة هذا السينوغراف المبدعة في مجال تصميم الملابس سواء في مجال الفن الرابع أو الفن السابع .
أما ورقة د. محمد شرقي فقد تناولت “توضيب المكان في العرض المسرحي الجزائري المعاصر بين المعطى الدرامي والتصور الإخراجي”.
وكان لمحور التكوين في المسرح الجزائري، نصيب من ندوة “همزة وصل”، حيث تطرق المخرج كمال يعيش، إلى “أساليب التمثيل في المسرح الجزائري..من واقعية ستانسلافسكي إلى أسس التجريد الحديثة”، مستعرضا تجربة ولد عبد الرحمن كاكي، الذي عمل على تطوير الأداء لدى الممثل، عند إخراجه لأي عرض، فقد كان مواكبا للتفكير المسرحي والتوجهات المسرحية السائدة في الحقبة التي عاشها، أنتجت أبحاثه المسرح الملحمي الذي اتخذه منهجا في الإخراج، ليواصل عبد القادر علولة الطريق الذي بدأه كاكي.
أما د. عيسى راس الماء، فقد استفاض في الحديث عن “مستويات الإقناع في التمثيل المسرحي بالجزائر” خلال الجلسة الأولى التي ترأسها د.كمال جايب وتمحورت حول “أساليب التمثيل في المسرح الجزائري”.
ليثير إبراهيم نوال خلال الجلسة الثانية برئاسة د.نور الدين حدو، موضوع “سياسة واستراتيجية التكوين الفني في مجال فنون العرض بالجزائر”.
أما د. مباركي بوعلام، فركز على “تجربة التكوين في المسرح الجزائري .. المنجز والآفاق”، متخذا تجربة قسم الفنون بجامعة سعيدة نموذجا.
لتختتم مداخلة “راهنية التكوين المسرحي في الجزائر .. التكوين الأكاديمي أنموذجا” للدكتور دريس قرقوى، أشغال اليوم الثاني من الندوة المسرحية “همزة وصل..نقد التجربة / الجزائر”.