شهد المسرح الوطني الجزائري من 25 إلى 27 أفريل 2024 أشغال الملتقى الدولي الأول حول الشيخ الراحل عبد الكريم دالي “البعد الفني والتاريخي الوطني” تحت رعاية السيدة وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة صورية مولوجي، من تنظيم مؤسسة عبد الكريم دالي ومساهمة المسرح الوطني الجزائري، وذلك بمشاركة باحثين جزائريين وأجانب من دول مختلفة منها إسبانيا وتونس، إلى جانب المحاضرات العلمية عاش المسرح الوطني سهرات للموسيقى الأندلسية أحيتها جمعيات فنية، كما وقعت الفنانة ليلى بورصالي حفل الاختتام.
المسرح الوطني، صرح حضاري يحتفي بالفن الأندلسي..
احتفاء بصاحب رائعة “من زينو نهار اليوم” احتضن المسرح الوطني ضمن نشاطاته الثقافية والفنية وكذا الفكرية التظاهرة العلمية بحضور مختصين في عالم الموسيقى تدارسوا ضرورة المحافظة على الموروث الموسيقي الكلاسيكي الأندلسي.
وخلال كلمة ألقاها السيد محمد يحياوي المدير العام المسرح الوطني عقب إعلانه عن الافتتاح الرسمي لأشغال الملتقى، ممثلا عن وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة صورية مولوجي أكد على الأهمية البالغة التي تكتسيها اللقاءات العلمية في الترويج للهوية الثقافية الجزائرية، خاصة وأن هذا الملتقى يحمل إسم قامة فنية ساهمت في دعم وتجديد هذا الموروث الفني، من جهتها أكدت وهيبة دالي رئيسة مؤسسة عبد الكريم أن الهدف من تنظيم هذه التظاهرة العلمية الفنية هو تكريم هذه الشخصية الوطنية الفذة التي خلفت رصيدا يفوق 700 ساعة من التسجيلات الموسيقية وحافظت على مكانة الموسيقى الأندلسية خاصة أمام محاولات السطو الخارجي على موروثنا الثقافي.
ملتقى عبد الكريم دالي امتداد لمسيرة استثنائية..
وفي ظل الوضع الراهن الذي يعيشه الحقل الثقافي والتراث الفني الموسيقي في الجزائر وما يشهده من مساعي الدولة لحماية مكونات الموروث الثقافي والهوياتي المميز لعراقة هويتنا، استغل المشاركون فرصة انعقاد هذا الملتقى لتدارس أهمية هذا المسعى، وهو ما أكده البروفيسور نور الدين سعودي رئيس اللجنة العلمية للملتقى خلال محاضرته الافتتاحية التي تطرقت للرهانات والتحديات التي تواجهها الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية حاليا، مؤكدا أن أهداف الملتقى تعد امتدادا لما قدمه الشيخ الراحل عبد الكريم دالي.
الشيخ عبد الكريم دالي، شخصية رمزية وبعد إحساسي عميق..
ركز المحاضرون على الكتابات الموسيقية التي وضع عليها الشيخ عبد الكريم دالي بصمته الخاصة مستدلين في ذلك بالبعد الإحساسي في أدائه والحكمة العاطفية في بعض أعماله الخالدة على غرار “مزينو نهار اليوم”، مؤكدين على ضرورة استرجاع خصوصية المدارس الموسيقية الأندلسية بمختلف موازينها وإيقاعاتها القديمة وكذلك الثقافة السمعية التي ميزتها آنذاك.
كما أجمعوا على أن أهم خطوة للحفاظ على هذا الموروث الموسيقي العريق جعله مواكبا لتطلعات العصر، ومتماشيا مع الذوق العام للجيل الجديد، خاصة وأن الجزائر تزخر بمدارس موسيقية عريقة وأسماء فنية تركت بصمتها في عالم الفن الأندلسي.
القصايد وإسهامها في الحفاظ على الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية..
دارت المحاضرة التي قدمها الأستاذ قريقة أحسن (الجزائر) حول موضوع القصايد، وهو الاسم الذي يطلق في مدينة الجزائر لما يعرف خارجها بالسماع أو النشيد الديني، وهو أيضا ما يمكن أن اعتباره المقابل الديني، أو المديح، لنصوص الهزل المعروفة في الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية، ويتخذ أشكالا متعددة منها تصليات على الرسول عليه الصلاة والسلام، أدعية، تسابيح، قصائد، موشحات، وأزجال، وما يزيد هذا الرصيد أهمية أنه يؤدى بالطبوع الكلاسيكية للموسيقى، كما يتميز ببعض الألحان والأنغام التي لا نجدها في النصوص الأخرى.
كما قام كل من الأستاذ فريد دحيمن وابراهيم معروف في محاضرتهما بإعطاء تعريف لهذا الموروث وإبراز أهم خصائصه ومميزاته.
مدارس الفن الأندلسي، زخم تراثي وتحديات راهنة..
طرح المحاضرون في اليوم الثاني من الملتقى بعض اقتراحات الحماية لتثمين وحماية إرث الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية بمختلف مدارسها، مؤكدين خلال محاضراتهم على أهمية لفت انتباه الجيل الصاعد إلى هذه التركة الموسيقية القيمة كما نال موضوع الديمومة التراثية حيزا واسعا من النقاش والبحث من خلال المحاضرة التي قدمتها الدكتورة بوحديبة فريال (دولة تونس)، ووسط حضور كبير لمهتمين بالبحث العلمي والأكاديمي ركز المشاركون على الرهانات التي تواجه الموسيقى العربية الأندلسية وإمكانية تدوينها كأهم خطوة الحفاظ عليها، مستذكرين
في سياق ذلك مساهمات الشيخ عبد الكريم دالي في جميع أنواع الموسيقى الأندلسية بما في ذلك استحضار خصوصية آلة الرباب التي رافقته في جولاته الفنية آنذاك، إلى جانب طرح خطط عمل لحماية الآلات الموسيقية من الاندثار.
مائدة مستديرة حول التراث الموسيقي الجزائري في ختام الملتقى..
اختتام الملتقى ميزه تنظيم مائدة مستديرة حول التراث الموسيقي الجزائري ترأستها الأستاذة مانويلا كورتيس (إسبانيا) كما تطرق الملتقى إلى دور الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في حماية مصنفات التراث الثقافي التقليدي” وسبل الحد من بعض المحاولات الخارجية للسطو عليه.
كما تم عرض فيلم وثائقي من تقديم وتعليق السيدة فريال بوحديبة (تونس) تلته قراءة توصيات الملتقى وتسليم شهادات للمشاركين والإعلان الرسمي عن انتهاء الملتقى الدولي.
سهرات موسيقية مرافقة للملتقى الدولي العلمي..
عرف المسرح الوطني الجزائري من 25 إلى 27 أفريل 2024 أجواء فنية خاصة صنعتها حفلات الموسيقى الأندلسية المرافقة للمحاضرات العلمية للملتقى الدولي عبد الكريم دالي “البعد الفني والتاريخي الوطني” بمشاركة جمعيات موسيقية من مختلف أنحاء الوطن.
أولى السهرات الموسيقية وقعتها كل من جمعية “مقام” من قسنطينة وجمعية “الفن الجميل” من الجزائر العاصمة، حيث أدت جمعية المقام مقتطفات من نوبة “رأس الذيل” وهي سلسلة من الأشعار والموازين التي تتميز بها مدينة قسنطينة على حد تعبير شمس الدين مونجي رئيس الجوق التمثيلي، الذي اعتبر هذه اللحظات الفنية فرصة لاستمتاع جمهور المسرح الوطني الجزائري بمقتطفات من التراث الموسيقي العريق.
من جهتها أعادت جمعية “الفن الجميل” من الجزائر العاصمة جمهور القاعة إلى الزمن الجميل عبر انقلاب “لي حبيب” وحوزي في طبع الغريب “سعدي بليلة البارح” لقيت تجاوبا كبيرا من قبل متذوقي الفن الأندلسي.
السهرة الثانية أحيتها جمعية الفن والنشاط من مستغانم قدمت خلالها مقتطفات من الفهرس الأندلسي عبر نوبة “رمل الماية” ومقلاب “رب ليل”، “يا قوم ما” أمام جمهور المسرح الوطني من مختصين وباحثين في عالم الموسيقى الأندلسية، وهو ما اعتبره قائد الجوق الشيخ الجيلالي بن بوزيان خطوة مهمة في مسار الجمعية، كما قدم نادي الشبيبة الجزائرية “سلام” من تلمسان في الجزء الثاني من السهرة مقتطفات من توشية “رمل العشية” متبوعة بتوشية “الكمان” من أداء الشيخ صالح بوكلي حسن وهي نفس التوشية التي افتكت بها الجائزة الكبرى في أول مهرجان للموسيقى الأندلسية بعد الاستقلال عام 1966.
وعبر حفل فني أقامت الفنانة ليلى بورصالي تكريما من نوع خاص حمل عنوان “عبر الزمن، عبد الكريم دالي” اختتمت به السهرات الموسيقية المرافقة للملتقى بحضور شخصيات وسفراء دول مختلفة، حيث استذكرت خلاله “صاحب الصنعة القديمة” كما وصفته في الحوار الفني الموسيقي الذي أجرته معه، متطرقة إلى مراحل مختلفة من حياته بتلمسان إلى انتقاله للجزائر العاصمة.