الفنان عبد القادر فراح من المحلية إلى العالمية، ولد يوم 26 ديسمبر 1926 بقصر البخاري، بولاية المدية. هذا السينوغرافي العالمي المعروف بذكائه الحاد وذوقه الرفيع، تعلم الرسم وتصميم الديكور والملابس بجهوده الخاصة. عاش كل حياته يحلم ببناء مسرح حديث حقيقي والرفع بقطاع المسرح في الجزائر، مساهما بخبراته وكفاءاته الكبيرة التي تمتع بها في ميدان المسرح.
هاجر الفنان إلى فرنسا وانغمس في حياة الفن، اشتغل فيها مديرا لدراسات الديكور، وتصميم الملابس بالمدرسة الوطنية العليا للفنون الدرامية بستراسبورغ فرنسا. وفي الفترة ما بين 1961 إلى 1965 انضم إلى فرقة شكسبير الملكية بلندن، ثم عمل في مسرح ستراتفورد، ثم أصبح مديرا للدراسات الخاصة بتصميم الديكور والأزياء في المدرسة الوطنية المسرحية بمونتريال كندا سنة 1968.
وفي عام 1971 عمل أستاذا بالمدرسة الوطنية الفنية المركزية بلندن، ليعود بعدها إلى فرقة شكسبير الملكية، مواصلا نشاطه معها.
أنجز عبد القادر فراح أكثر من 300 عمل مسرحي عالمي متميز مصاحبا لأكبر المخرجين المسرحيين، فهو لم يصمم فقط الديكورات والأزياء بل أيضا أغلفة الكتب والأسطوانات الموسيقية، حتى أن أعماله وتصاميمه عرضت في عدة معارض دولية بموسكو.
لم يترك فراح بصمته في المسرح العالمي والجزائري فقط بل كانت له مواهب عديدة، فقد ألف 17 قطعة موسيقي، كما صمم أغلفة كتب كتاب مسرحيين، ولديه مقالات متناثرة في الصحف والجرائد العالمية والجزائرية، كما ألقى محاضرات عديدة في كندا، موسكو وأيضا الجزائر، بالإضافة إلى كونه رساما تشكيليا له عدة لوحات فنية.
عاشر هذا الرجل الفنان ثقافات عديدة ومختلفة امتلك بفضلها شخصية قوية ونظرة ثاقبة وأيضا تفكيرا معاصرا ترجمه في كل أعماله، التي حصدت عدة جوائز دولية منها: جائزة لأفضل عروض السنة على مسرحية “دائرة الطباشير القوقازية” في عام 1958م، جائزة التحالف الفرنسي اقترحها أندريه مالرو ورفضها الفنان عبد القادر فراح احتجاجا على احتلال فرنسا للجزائر في عام 1960م، جائزة مدرسة المسارح الوطنية بكندا في عام 1968 م، و أيضا جائزة النقد اللندنية السنوية لأفضل تصميم مسرحي لعام 1971م، جائزة أفضل عرض مسرحي سنوي بباريس لمسرحية ريتشارد الثالث لفرقة شكسبير الملكية في 1972، جائزة من قبل مديري المسارح اللندنية لمسرحيتي هنري الخامس وهنري السادس في عام 1976م، جائزة النقد النمساوية قدمها مسرح بورج النمساوي بفيينا لمسرحية ترولوس وكرسيدا لشكسبير في 1978م، وجائزة منظمة مديري المسارح اللندنية لمسرحية “الدمية الكوميدية الموسيقية” لفرقة شكسبير الملكية في عام 1982.
غادر فراح الجزائر صغيرا، لكنه بقي مخلصا لجذوره الجزائرية وثقافتها المتنوعة، لتبرز في جل تصاميمه، قال فراح يوما، عن جذوره، في حوار له مع الكاتب عمر آزراج والذي نشره في كتابه ” عبد القادر فراح فنان أصيل في زمن بخيل”: كرجل مسرحي كنت منخرطا بصفة كليه في هذا المضمار، حتى تمكنت من بناء تركيبة تصل جذوري الثقافية بكل تاريخ الحضارة البشرية على مدى عشرين قرنا. عندما صممت بعض المسرحيات الإغريقية تذكرت أزياء نساء جبال الأوراس والصحراء، ووظفتها في تلك التصاميم. وهذا مثال واحد فقط”.
لهذا وقبل رحيله في ال 20 من ديسمبر 2008 ببريطانيا، أوصى فراح بهبة جد متميزة للمسرح الوطني الجزائري تضمنت جزءا كبيرا من مكتبته بعناويين مرجعية في المسرح والثقافات، وأيضا أشرطة فيديو ومقتنياته من الأسطوانات الموسيقية، لتكون ارثا كبيرا يستلهم منه الباحثون وعبرة لكل الأجيال الصاعدة في مجال
المسرح.
عبد الناصر خلاف/ ناقد مسرحي
سنة 1989 خلال أيام عنابة المسرحية، التقيت بالسينوغراف ” عبد القادر فراح” السينوغرافي العالمي والقامة المسرحية الكبيرة، وتفاجأت بوجود قامة جزائرية برويال شكسبير، وأيضا محترف في مجال صعب ومختلف كالسينوغرافيا.
نحن نعرف أن هذا المجال في تلك الفترة كان جد صغير في الجزائر وما لا توجد فيه أسماء كبيرة، ولما نقولوا فراح يجب تذكر أنه جاء من قصر البخاري هذه المدينة الصغيرة بالمدية، لذا أنا كل ما أمر بها ” لا أرى قصر البخاري ولكني أرى بعض الجبال ترسم صورة وابتسامة عبد القادر فراح”.
في أيام عنابة المسرحية شاركت في ورشة عن السينوغرافيا كان هو منظمها ومؤطرها، تعلمنا منه واكتسبنا كل ما هو جميل وراقي في مجال السينوغرافيا والمسرح. مع مرور كل هذا الوقت الطويل اكتشفنا أنه مثل الجزائر أعظم تمثيل.
حتى وصلت أعماله خاصة مع رويال شكسبير مرجع كبير للمسرح العالمي وليس فقط هنا في الجزائر. ” فراح صح هو جزائري ولكنه عالمي”، ولكن الجميل فيه أنه بعد وفاته سنة 2008 أهدى مكتبته للمسرح الوطني الجزائري، ليقول للمسرح الوطني الجزائري” أنت ذاكرتي …. أنت صوتي”، ومن هذا المنطلق أعتقد أنه من الواجب أن نكون أمناء وأوفياء لذكراه وعلمه الذي سيبقى تحت تصرف الباحثين بإشراف المرح الوطني الجزائري.
بوبكر سكيني / ناقد مسرحي
هذه الشخصية الفنية التي استطاعت أن تحجز لها مكانة عالمية بكل المقاييس، حين ترجلت قدماها على خشبة “فرقة شكسبير الملكية” بلندن وعلى أبعادها رسم موهبته في تصميمات سينوغرافية وتشكيلات ملحقة للعروض المسرحية… فهذا المولود ببلدة تنعت بوصف المستشرقين لها بمدينة الشمس “قصر البخاري”، حيث أخذ منها عبد القادر فراح القبس وأشع بشعلته المبدعة على مسارح العالم… وبهذا استحق المكانة ضمن كبار السينوغرافيين العالمين إلى جنب “سڤوبودا ويانيس كوكوس”، بل هو ليس مصمم ديكور وأزياء وأقنعة وفقط، وإنما هو متعدد المواهب، فنجده كاتبا موهوبا له مؤلفاته الأدبية على صفحات المجلات الفرنسية والجرائد الجزائرية التونسية… والراصد لمساره الإبداعي يدرك إنجزاته لأكثر من ثلاثمائة عمل فني متميز في حقل تصميم ديكور المسرحيات، والأوبرات، وأغلفة الكتب، والأسطوانات الموسيقية، إلى جنب ذلك من إنجازات الرجل فبموسوعة مصممي القرن العشرين الصادرة في لندن، وشيكاغو في عامي 1982 و1992 ذكر إسم عبد القادر فراح كفنان عربي دون ذكر أي اسم عربي آخر… فهل استطعنا أن نعطي للرجل نحن مكانته التي تليق به كمبدع متفرد بلمسته السينوغرافية العالمية؟