اختتمت مساء الاثنين 14 ديسمبر 2020، أشغال ندوة “همزة وصل –نقد التجربة حول المسرح الجزائري”، بعد ثلاثة أيام متتالية أثراها الأكاديميون، والممارسون، والمهتمون بالشأن الثقافي، طرحا، اشتغالا، حوارا ونقاشا، بطريقة مباشرة كانت أو افتراضية، أدخلت الحياة على زوايا ركحية أرغمتها الجائحة على الانعزال لبعض الوقت.
شهد اليوم الثالث والأخير من عمر هذا اللقاء المسرحي النقدي، اختتام ندوة “همزة وصل”، التي أفضت أشغالها إلى جملة من التوصيات سنفرد لها ورقة خاصة لاحقا، كما تم توزيع الشهادات على المشاركين فيها من طرف المدير العام للمسرح الوطني “محي الدين بشطارزي”، السيد محمد يحياوي، الذي نوه في كلمة ألقاها بالمناسبة “بالدور الفعال والإيجابي الذي لعبته الهيئة العربية للمسرح في إنجاح هذه الندوة، سيرا على نهجها الذي تعودنا عليه في دعم وإبراز المسرح في المشهد الثقافي العربي بمختلف مناسباته الكبرى”…
وشكر مدير المسرح الوطني الجزائري، خلال كلمته المختتمة للطبعة السابعة من ندوة “همزة وصل” المنظمة تحت إشراف معالي وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة “مليكة بن دودة”، وبالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح، كل الأساتذة الذي لم يثنهم وباء كورونا عن المشاركة وإنارة مسيرة التجربة المسرحية الجزائرية التي تجاوز إبداعها القرن، بمداخلاتهم. وأشاد يحياوي خلال كلمته بدور وزارة الثقافة والفنون البناء، شاكرا الهيئة العربية للمسرح راعية الإبداع، وسمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
جاء اليوم الثالث من ندوة “همزة وصل .. نقد التجربة”، حافلا بالنقاشات التي دارت حول ثلاثة محاور أساسية، ألا وهي على التوالي: “حركة النقد المسرحي في الجزائر”، “مسرح الطفل”، “أثر التشريعات، المؤسسات والمهرجانات على المسرح الجزائري”.
مسرحنا بين الحركة النقدية والممارسة الركحية
ناقش المحور الأول، الحركة النقدية والممارسة المسرحية، وذلك خلال جلسة ترأسها بوزيان بن عاشور، كان الدكتور، واسيني الأعرج، من بين المتدخلين فيها عبر فيديو مصور، أثار من خلاله إشكالية اللغة، وتناول الفجوة اللغوية الموجودة بين العرض الركحي والجمهور المتلقي نقديا، محاولا الإجابة عن السؤال “أية لغة لأي مسرح؟ في نقد الفجوة اللغوية مع الجمهور المسرحي الجزائري”.
إلى جانب الدكتور حميد علاوي، الذي خاض في “فاعلية تلقي المنجز المسرحي، من النقد المسرحي إلى بلاغة العرض وتحليل الخطاب”، من منطلق أن المتلقي مساهم وفاعل أساسي في العرض المسرحي ودفع الحركة المسرحية في أي بلد من البلدان، متوقفا عند ظاهرتي “طرشاقة” للمخرج أحمد رزاق، و”مابقات هدرة” للمخرج محمد شرشال، الحائزتين على جوائز مهرجان المسرح المحترف، واللتين قدمتا –حسب علاوي- منهجا إخراجيا مختلفا وصادما أحيانا، مستعرضا كيفية تلقي الجمهور الجزائري للعرضين، مؤكدا أنه يساهم في تحديد ملامح الحركة المسرحية التي يكون التواصل فيها بين كل مكونات العرض الركحي.
فبالنسبة لعلاوي -الذي تحدث عن بلاغة العرض وبلاغة المتلقي، مرجحا كفة الثانية الواجب أن يعنى بها النقد، لأن المتلقي هو المعنى والوجود للعرض – رزاق وشرشال مخرجين في تفكيرهما متفرج ذهني وناقد مسرحي، لهما متطلبات فنية تمت مراعاتها ليخرجا لنا عرضين لقيا رواجا كبيرا.
للإشارة، فقد كان من المقرر أن يكون الأستاذ محمد بورحلة، من بين المتدخلين خلال هذه الجلسة، غير أن ظروفا صحية قاهرة حالت دون حضوره، وقد تكفل الأستاذ، بوبكر سكيني، بقراءة مداخلته على الحضور والتي تناولت “اللغة والكتابة المسرحية في المسرح الجزائري”.
مسرح الطفل ..سادس محاور “همزة وصل”
لم تغفل “ندوة همزة وصل”، عوالم الطفل في أشغالها، فأفردت له محورا يناقش المسرح الموجه إليه، في جلسة ترأسها الدكتور سعيد بن زرقة، وأثراها الدكتور العيد جلولي من خلال مداخلته “تجربة الكتابة المسرحية للأطفال في الجزائر..دراسة في المنجز الإبداعي”، التي ذكر فيها أن موضوع الكتابة المسرحية تركز على النص المسرحي باعتباره بناء لغويا، يحمل مضامين، وقد تناول في ورقته، تتبع مسارات هذا النص منذ ظهوره في الأدب الجزائري الحديث، ودراسة خصائصه وفنياته، والتعريف ببعض أعلامه في فترتي ما قبل الاستقلال وبعده.
ليضيف الأستاذ، عبد القادر بلكروي، شهادة تاريخية مهمة حول “مسرح للطفولة والشباب”، قدم في مقطع سردي باهر تجربته الميدانية في مجال مسرح الطفل، وثق ورصد من خلاله لما عاشه من تجارب ركحية في الغرب الجزائري.
أما حليم بوشراكي، الذي بحث في “المرجعيات التراثية في مسرح الطفل .. بين منطق التقليد وذهنية التجميد”، فقد أكد أن جل العروض المقدمة للطفل، تحاكي عالم الحيوان وتعود إلى الغابة، والبستان في مخاطبته، مستخدمة نفس البنية الدرامية فيستقبلها الطفل بنفس منطق التلقي، حيث يكون أفق توقعه معلوما ومتطابقا مع ما أفضت إليه العروض.
موضحا فكرته يمقارنة أربعة عروض تم عرضها في مهرجان خنشلة، لم يكسر أفق توقع الطفل خلالها إلا مسرحية “الخياط”، لياسين تونسي، التي فتحت أمامه أفق المسافات الجمالية، فحصل على التجربة المعرفية والجمالية في ذات الوقت محققا الرضا.
فالطفل بالنسبة لبوشراكي، لديه مرجعية جديدة اليوم وجب احترامها لدى الكتابة المسرحية، وإذا لم نجد كتابا موهوبين في مخاطبة الطفل، كان لزاما علينا فتح مخابر التأليف المسرحي.
التشريعات القانونية تلقي بظلالها على المسرح الجزائري
أثار المحور السابع والأخير من ندوة “همزة وصل.. نقد تجربة المسرح الجزائري”، موضوعا مهما تمثل في “أثر التشريعات، المؤسسات والمهرجانات على المسرح الجزائري”، ناقشه إسماعيل آنزارن خلال الجلسة التي ترأسها، مع كل من أحمد شنيقي، محمد بوكراس، عبد الناصر خلاف والغوتي العزري.
افتتح الدكتور، أحمد شنيقي، الجلسة بمداخلته “أثر التشريعات على المسرح الجزائري”، حيث تحدث عن المشاريع التي تم إنجازها منذ العام 1962، والظروف التاريخية الاجتماعية التي كانت وراء تبنيها، خاصة مشروع قانون جانفي 1963 الذي يتحدث عن تنظيم الهياكل المسرحية في الجزائر بشكل عام والمسرح الوطني والمسارح الجهوية قسنطينة، عنابة، بلعباس، وهران بشكل خاص.
رأى شنيقي أن الخطاب السياسي طغى كثيرا على هذا النص لأسباب منها الاستقلال الحديث آنذاك، والاختيار الاشتراكي… وغيرها، فكلمة “لامركزية المسارح الجهوية” –حسبه- نجدها حتى في القانون الصادر عام 1970، ما خلق مسارح جهوية أخرى في الجزائر.
وخلص المتحدث إلى نتيجة مفادها أنه “حتى وإن وجدنا نصوصا قانونية لخلق تلك الهياكل أو المسارح العمومية التابعة للدولة، إلا أننا نصطدم دوما بغياب قانون لإنشاء المسارح الخاصة التي لا وجود لها عندنا”.
وتطرق الدكتور محمد بوكراس، في ورقته “المهرجانات المسرحية ..أي دور في الحراك المسرحي الجزائري؟”، إلى قلة المهرجانات المسرحية، خاصة التي تعمر وتستمر طويلا، وحاول الإجابة على جملة من التساؤلات وتقديم إجابات قابلة للنقاش والحوار لتأثيث وإثراء ما جاء فيها، مشرّحا واقعها، باحثا في الدور المناط بها، محاولا الإجابة على مدى تحول هذه التظاهرات إلى مؤسسات ثقافية حقيقية تدعمت باستراتيجيات معينة؟ أم أنها بقيت مجرد احتفالات موسمية عابرة ضيعت الجهد، الوقت، والمال.
وقدم بوكراس خلال مداخلته، عرضا للمهرجانات، محاولا رصد انعكاساتها على الحياة المسرحية، مؤكدا أن ظهورها لم يكن طارئا بل جاء كنتيجة لنضج تجسّد في الكم الهائل من المسرحيات المنتجة قبل الاستقلال وبعده.
وأعطى من جانبه المتدخل الغوتي العزري “شهادة حول إنشاء التعاونيات المسرحية الخاصة”، وركزت شهادته على هيكل من الهياكل المسرحية الموجودة في الجزائر، ألا وهي “تعاونية أول ماي المسرحية”، التي تم إنشاؤها في 01 ماي 1988 وترأسها المرحوم عبد القادر علولة. تكونت التعاونية حسب شهادة الغوتي العزري، من مجموعة من الفنانين البارزين، وقد تناول تاريخ هذه المؤسسة وكيف أنها لم تستطع إلى حد الساعة الوصول إلى نص تشريعي تطبيقي من طرف وزارة الثقافة الجزائرية يعطيها الحق في لعب الدور المنوط بها، والتي نسقط حالتها على كل التعاونيات المسرحية والسينمائية التي لا تجد نصوص تطبيقية تمكنها من التواجد القانوني ما يعرضها للمعاناة من عراقيل إدارية ومالية..
ليصل منسق الندوة، عبد الناصر خلاف، إلى إبراز “المسرح الجزائري من خلال وثائقه”، وهو عنوان الورقة التي تحدث خلال أسطرها عن الإصلاح المسرحي من خلال وثائق غير متداولة لدى الباحثين وهي عبارة عن تقارير إدارية وتوصيات ومحاضر جلسات لندوات رسمية، انطلق فيها تاريخيا من فترة السبعينات إلى وقتنا الحالي، أغلب الوثائق التي قدمها خلاف تتحدث عن الجوانب التنظيمية والتشريعية وقد أكد أن “أزمة المسرح الجزائري هي أزمة في التشريع، لم تتم معالجتها حتى الساعة، وأغلب الوثائق كانت مرفوعة إلى وزراء الثقافة والمسؤولين الذين لم يبتوا فيها”.
تحدث خلاف أيضا عن احباطات مصطفى كاتب، متسائلا “هل فشل كاتب حقا في سياسة التأميم ولا مركزية المسرح الجزائري، والمسارح الجهوية؟” .