المسرح الوطني الجزائري..
المسرح الوطني الجزائري مؤسسة ثقافية عريقة تابعة لوزارة الثقافة، يحمل اسم العميد «محي الدين بشطارزي».
أول مؤسسة أمّمت في الجزائر بعد الاستقلال لم تكن اقتصادية أو إعلامية أو رياضية، بل كانت دار الأوبرا، وذلك في 8 يناير/جانفي 1963 بمقتضى مرسوم رقم 12/63، مع انشاء فرقة المسرح الوطني الجزائري، فضلا عن معهد للفنون الدرامية. تحولت دار الأوبرا إلى مؤسسة المسرح الوطني الجزائري، وأشرف على إدارتها الفنان مصطفى كاتب، إضافة إلى الطاقم الذي اشتغل معه في الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، وهي إشارة كبيرة جداً من السلطة السياسية ورسالة حملت دلالات مختلفة.
فرقة المسرح الوطني:
قامت فرقة المسرح الوطني الجزائري منذ لحظة التأسيس، بإعادة إنتاج وتقديم العروض الوطنية الثورية التي سبق تقديمها قبل الاستقلال مثل: أبناء القصبة، حسان طيرو، العهد، الخالدون، وأهم ما يلفت الانتباه في تلك المرحلة طبيعة الجمهور الذي كان حاضراً بقوة في فضاء تعايش فيه الحلم والواقع، وأنّه بين سنتي 1963 و1965، غداة مشاهدته عرضاً مسرحياً بقاعة الأطلس في غرة الفاتح نوفمبر 1962، قال الثائر الأرجنتيني “شي غيفارا”: “قيل لي بأنه لا يوجد مسرح في الجزائر ولكني رأيت المسرح الثوري بعيني في أرض الجزائر”.
امتداد ومواصلة:
امتدادًا للمهمة التي قام بها قبل وأثناء ثورة التحرير، شهدت الفترة ما بين سنتي 1962 و1972، مواصلة المسرح الوطني الجزائري درب البناء وتحصين الشخصية الوطنية ومحاربة الآفات الاجتماعية. أنشاء مدرسة الفنون المسرحية ببرج الكيفان عام 1965، التي قامت بتخريج قوافل من فناني المسرح والباليه، فضلا عن المنشطين الثقافيين. وبموجب قرار اللامركزية لعام 1972، تمّ افتتاح ستة مسارح جهوية هي: عنابة، قسنطينة، وهران، بجاية، باتنة وسيدي بلعباس.
وعرفت الفترة ما بين 1973 و1981، إنتاج المسرح الوطني لــ: باب الفتوح، بوحدبة، سلاّك الحاصلين، العاقرة، دائرة الطباشير القوقازية، بني كلبون، قف، آه يا حسان، هي قالت وأنا قلت، الإنسان الطيب لستشوان، فرسوسة والملك، عفريت وهفوة، بونوار وشركائه، وجحا والناس.
الثمانينيات والتسعينيات كانت عنوانا لبداية نزيف جيل من أقطاب المسرحيين الجزائريين من قامة: كاتب ياسين ومصطفى كاتب (رحلا في يوم واحد)، ولد عبد الرحمن كاكي، رويشد، حسن الحسني، مالك بوقرموح، بوبكر مخوخ، فتحي عصمان، سيراط بومدين، علاّل المحب، الحاج عمر ، عبد القادر علولة، عز الدين مجزبي وغيرهم.
النفس الجديد:
أعاد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة افتتاح المسرح الوطني الجزائري في حلّة بهية في السادس عشر من شهر أفريل سنة 2000.
وشهد الحدث إطلاق اسم العميد “محي الدين بشطارزي” على هذه المؤسسة المسرحية التي احتفت على مدار شهر كامل بتظاهرة “الربيع المسرحي”.
وظهر جيل جديد من الممثلين والمخرجين والسينوغرافيين والكوريغرافيين والموسيقيين، وبرزت عدة محاولات وتجارب جادة وتجديدية تزامنت مع الانتعاش الثقافي للجزائر اعتبارا من مطلع الألفية الثالثة، واللافت أنّه اعتبارا من سنتي 2003 و2004، اتسع نطاق المسرح الجزائري أكثر بفعل عروضه المكثفة دوليا، وزاد المشهد الركحي ثراءً إثر إصدار قانون ينظم مهرجانات المسرح، ما سمح بترسيم العديد من المهرجانات المسرحية في سائر مناطق الجزائر، وأسفر عن إنتاج أعمال غزيرة.
ويجدر التنويه أنّ منظومة المسارح الجهوية اتسعت تباعا لتشمل: بجاية، باتنة، تيزي وزو، سكيكدة، سوق أهراس، معسكر، العلمة، بسكرة، الجلفة، سعيدة ومستغانم.
إنّ التحولات التي شهدها المسرح الوطني الجزائري ارتبطت جوهرياً بسياقات وخواص العشريات الخمس منذ الاستقلال، والأكيد أنّ هذا الحراك ولّد خريطة واسعة لإنتاج وتنويع العروض، الأمر الذي سمح للكثيرين من صنّاع المسرح بالاشتغال على الكثير من التوليفات التي عزّزت روح التألق.
